مقالات نصوص

لم نحب كرة القدم؟

النص التالي جزء من مقال عن المونديال

يقارب غاليانو جمال مشاعر تسجيل الهدف للنشوة الجنسية، وهو ليس الوحيد الذي شبهها بذلك. مؤخرا تشافي هيرنانديز مدرب فريق برشلونة شبّه اللعب والفوز على السانتياغو برنابيو ملعب الغريم ريال مدريد، بالنشوة الجنسية أيضاً. بالنسبة لتشافي (الكتالوني)، الفوز على ريال مدريد هو استحقاق يتجاوز لعبة كرة القدم، بل هو استحقاق كتلوني على أرض نادي العاصمة الملكي، الذي كان مدعوماً من الفاشي فرانكو لعقود طويلة. ربما تراجعت أو تلاشت التدخلات السلطوية التي وُجدت أيام حكم فرانكو، لكن يبقى انعكاس الصراع السياسي بين كتالونيا والحكومة المركزية في إسبانيا من خلال لعبة الكلاسيكو موجوداً. فالكتلان لازالوا يعتبرون أنفسهم خارج اسبانيا، مطالبين بكيانهم المستقل، رافضين الهوية الإسبانية. 

مناسبات عديدة رفع خلالها المشجعون الكتلان في ملعب الكامب نو شعارات داعية للاستقلال وإطلاق سراح السجناء السياسيين، كما حدث في كانون الأول/ديسمبر 2019. كلاسيكو إسبانيا يُعد الأشهر في السنوات الأخيرة لما له من شهرة إعلامية تاريخ طويل بين الفريقين، لكن صراعات مشابهة موجودة في الكثير من الدول، مثل كلاسيكو الأرجنتين، مصر وغيرهم. 

 “In! In-de! In-de-pen-den-ci-a!” [الاستقلال]
“حرروا السجناء المنفيين” 

المشاحنات الإثنية، الطائفية والسياسية المرافقة للعبة ليست مجرد نظرية، بل تصبح جلية إذا ما تمعنا في الشعارات والأغنيات لبعض هذه الفرق. في الأرجنتين لم يتقبل المستعمرون والسلطويون في بوينس آيرس وجود مهاجرين، ريفيين، وذوو بشرة ملونة. فغنوا ضد فريق بوكا جونيور الأرجنتيني الشهير بشعبيته ضمن المهاجرين والفقراء.

“الكل يعرفون أن البوكا في حداد
جميعهم سود، جميعهم قِحاب
لا بدّ من قتل هؤلاء الروث
لا بدّ من رميهم في نهر رياتشويلو “

 في إيطاليا يظهر كره الشمال المتسلط لأهل الجنوب وناديهم الشهير نابولي خلال الثمانيات عندما مرّ الفريق بفترة انتصارات ذهبية، مع مارادونا ورفاقه، من خلال كلمات بالغة العنصرية… 

يا للرائحة الكريھة،

حتى الكلاب تھرب،

النابوليون قد وصلوا.

آه للملونيين، للمزلزلين،

لا يمكن حتى للصابون أن ينظفكم.

نابولي أيتھا البراز نابولي أيتھا الطاعون،

أنت عار على إيطاليا كلھا”

عندما سجل مارادونا هدفه الشهير “بيد الله” ضد الإنكليز في مونديال ١٩٨٦، قيل إنه مثل ” طفل يركض بعد سرقة محفظة جندي إنكليزي” في إشارة إلى ما كان يفعله أطفالٌ ارجنتينيون بالجنود الإنكليز عندما احتلت بريطانيا جزر المالوين الأرجنتينية. ويصف غاليانو هدفي مارادونا بأنهما أعادا الكرامة الوطنية للأرجنتينيين. 

لا توجد إجابة واحدة على سؤال مقاطعة مونديال قطر، لكن المقاطعة ربما يترتب عليها مقاطعة اللعبة أو رياضات عديدة وليس فقط مونديال قطر. مستفزٌ ربما إعطاء قطر حق التنظيم لهذه البطولة، خاصة مع مشاهدة استغلالها السياسي، ومستفزٌ إصرار قطر الكبير في التركيز من خلال إعلامها على محاربة المثلية، الترويج الديني والتقاليد وعدم اكتراثها بقضايا حقوقية بحجة الثقافة العربية المختلفة. وبالرغم من كل ذلك، من الضروري النظر إلى الفيفا كمؤسسة مظلة لتنظيم هذا الحدث الكبير، وللفساد الموجود ضمنها. وانتقاد تنظيم قطر للمونديال في ضوء تاريخ تنظيم الدول لأحداث مشابهة سواء في كرة القدم أو غيرها. 

يحب الفقراء لعبتهم، وينتقمون من خلالها. يحبون أن يهزموا خصومهم من السلطويين والأثرياء من خلال لعبة كرة القدم، فعلى العشب الأخضر، وحدها المهارة تحكُم، لا أسلحة ولا قوة، مثل العدائين السود الأميركيين الذين أحرجوا هتلر بالجري في أولمبياد 1936. لذلك سنظل نحب كرة القدم. وهذا الحب ذاته ما يوّلد الغضب لدى جماهيرها حين تؤخذ منهم لعبتهم. 

مشجعين في دورتموند ـ قاطعوا قطر 

كاتالونيا ليست اسبانيا – ملعب كامب نو A group of people holding a bannerDescription automatically generated with medium confidence

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back To Top